لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. logo الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
shape
الافتراق والاختلاف
9807 مشاهدة print word pdf
line-top
أمثلة للمسائل التي اخْتُلِفَ فيها

والآن.. أذكر بعض الأمثلة. أذكر أولا: أنني كتبت بعض المسائل لبعض الإخوة الذين سألوني عنها، فكتبت مسألة في مس المصحف لغير الْمُحْدِث، وأخرى في المسح على الجوارب، وأخرى في إفطار المحتجم الذي أخرج منه الدم بالحجامة. واخترت ما أختاره أنا، وما أُفْتِي به.
ثم إن ذلك الأخ الذي كتبت له تلك الأسئلة أعطاها بعض الإخوة من المصريين، فأرسلها إلى مصر أو عرضها على بعض الإخوة المصريين، فخالف ما فيها، وكتب: أنه لا بأس بمس المصحف لغير المتطهر، وأنه لا يجوز المسح على الجوارب والشراب، وأن الحجامة ليست مفطرة. واعتمد في ذلك على ما هو معروف عندهم، وعلى المذاهب المشتهرة عندهم؛ فعند ذلك وقع ذلك الأخ الذي سألني في حيرة، ووقع في أمر لا يدري ما يختاره.
فأقول بعد ذلك: إن هذه المسائل يُرْجَعُ فيها إلى الدليل.
فأما مس المصحف؛ فصحيح أنه وقع فيه خلاف؛ هل يقرأه الإنسان وهو مُحْدِثٌ أو لا يقرأه إلا وهو متطهر؟ والذي نختاره: أنه لا يقرأه إلا وهو متطهر من الْحَدَثَيْنِ: الحدث الأكبر، والحدث الأصغر. والدليل الآية الكريمة قول الله تعالى: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ الله تعالى ذكر في هذه الآية القرآن، في أول الآية وفي آخرها، فذكره في أول الكلام بقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ما هو؟ أليس هو هذا الذي بين أيدينا؟ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ أقسم الله بأنه قرآن كريم.
كذلك وصفه بعد ذلك بقوله: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ يعني: أصله في كتاب مكنون؛ وهو اللوح المحفوظ. وصفه بعد ذلك بأنه: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وصفه بعد ذلك بأنه: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فكلمة تنزيل إنما هي لهذا القرآن الذي بين أيدينا؛ قبلها هذه الآية: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فالآية نَصٌّ في أن هذا التنزيل لا يمسه إلا المطهرون. إذن فلكرامته لا يمسه إلا متطهر؛ هذا هو الذي تَرَجَّحَ لنا.
وأيضًا ذكره الله في آية أخرى في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ هذا القرآن الذي وَصَفَهُ بأنه: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ وصفها بأنها: مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ يعني: أن علينا أن نرفع هذه الصحف التي هي المصاحف، وأن لا نجعلها على مستوى الأرض؛ لأن في ذلك شيئا من إهانتها؛ بل نرفعها حِسًّا ومعنى، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ فإذا كانت مُكَرَّمَةً ومرفوعةً ومطهرةً، فكيف يُسْتَهَان بها؟! وكيف يمسها الْمُحْدِثُ ونحوه؟!
ثم إن الصحابة -رضي الله عنهم- عملوا بذلك، أكثرهم على أنه لا يمسه إلا طاهر؛ عمل بذلك جملة من الصحابة، ولو وُجد بينهم خلاف؛ فإن الذين أباحوا أن يُقرأ من غير طهارة اجتهدوا في ذلك؛ ولكن لم يتأملوا ما دَلَّتْ عليه هذه النصوص.
إذن فنحن نختار أن الْمُصْحَفَ لا يمسه إلا طاهر؛ تكريما له، واحتراما له.

line-bottom